السبت، ٥ أيلول ٢٠٠٩

فيروز ...ودارين ...وعاشق مجنون

يحكى...انهما كانا هناك..

كان لقائهم صدفة تشبه القدر ...ما كان يجمعهم شي غريب لا ينتمي الى هذا العالم كل شيء كان مختلفا..كلامهم ..حواراتهم..طقوسهم ..وحتى خصامهم...كان صوت فيروز يرافقهم كملاك حارس... كأيقونة يحملانها معا...كلاهما ثائران..دارين وهو...كانت تناديه ب(el prince azul) وكان يناديها عصفورتي ..كان يعشقها الى حد الاحتراق..وكانت تعشقه كوطنها المفقود...فارسها الأزرق الذي خذلها أكثر من مرة بسبب غيرته العمياء وجنونه...!!

رجل محارب أرهقته الحروب وآلام البلد المسلوب وقيود الغزاة ومعتقلات الاحتلال وملاحم النساء وغربته في أكثر من بلاد ...أتعبته ملاحم العشق والنساء التي أخذت ما أخذت منه حتى لم يتبق له ما سيكفيه للغد القادم ...وهي امرأة من أجمل نساء الدنيا ..ثائرة حالمة متمردة على كل واقعها المؤلم ...رائعة بكل ما تمتلكه هذه الكلمة من عمق ووصف ومعنى...حزينة كالبحر خذلتها الحياة غير مرة ..وحيدة عاشت حتى التقت به وأصبحت تتوسم فيه الحلم المرتقب (عندي ثقة فيك ..عندي أمل فيك..عندي ولع فيك..) وهو بجنونه أضاع كل شيء..!!!
يعشقها...يقبل صورتها ألف مرة ومرة ...يهمس لها احبكِ ألف مرة ومرة...بينه وبين نفسه ويعيش خيالات جميلة كألف ليلة وليلة ...يدور معها ماسكا يديها العاجيتين الملائكية يقبلهما حتى يبكي فوقهما...يتخاصمان يتشاجران كأطفال صغار ويتصالحان...يدوران في حواري دمشق القديمة وأزقتها... العاشقين القادمين من بلاد الأعاجيب ودنيا الأحلام المفقودة...يدوران كعصفورين وتخاف هي أن يراها من يراها وهو يخاف عليها أكثر يأخذها من يدها وتلفتت ذات اليمين وذات الشمال وهي تسأله ( إذا كنا ع طول ...التقينا ع طول ..ليش بنتلفت خايفين..) فيبتسم لها...!!
تكتب له..تستفزه...تهزه..تحرقه ..قلمها ليس كأي قلم ..كلامها ليس ككل الكلام ...تخرجه بكلمة منها من عزلته وغيبوبته السرمدية...يكتب لعينها أجمل الغزل ...تستحق عينيها كل الغزل فهي امرأة تشبه الحلم...! عندما كانا يلتقيان تحتضنه بنظراتها الجميلة العاشقة الخجولة وتردد بسرها( أنا كل ما بشوفك كأني بشوفك لأول مرة حبيبي ...) وهو لم يتقن اللعبة ولم يفهم الحياة..ولم يفهم كيف تحب امرأة رجل مجنون الى حد الجنون...!!!

تبكي لوحدها ...تهاتفه الساعة الثانية والنصف صباحا ...تشتاق اليه كما تشتاق الارض للمطر الجميل...لها صوت يشبه المطر جميل كما المطر كما الشام جميلة...كمقاهيها ولياليها... الشام من اجمل مدن الدنيا لأنها كانت تكتحل بدارين الفاتنة...يطمئنها انه سيمسح دموعها الماسية وسيحتضنها بليالي البرد سيسهر كي تنام ..وتغفوا على صوته الطمأنينة وتغرق بالأحلام(خدني ولا تاخدني الفرح عالطريق حبك بيحصدني وماعندك رفيق....) لتصحوا على رسالة منه تشبه القبلة والوردة الحمراء على وسادتها البيضاء كقلبها الطفل...!!!

يوم جديد مليء بعبق الطفولة...مختوم بدفيء المساء السابق وحنين الليلة البارحة لهفة ترقب ماذا ستلبس اليوم لاميرها الازرق باي العطور ستختم سحرها ...تقرا تكتب تنام تصحوا وصوته يرافق خيالها لاشيء غيره يرافق وجودها ..وحده له سطوة العاشق الذي جاء من السماء..
يفضحها شرودها ...ارتباكها ...ذهولها ...غيابها عن المكان حتى علم الناس بان الاميرة عاشقة عندما انكشف امر الرسائل الغرامية التي كانت بينهما كعشاق الزمان الجميل (يا انا يا انا وياك ...صرنا القصص الغريبة ...وانسرقت مكاتيبي ..وعرفوا انك حبيبي )...!!!

يجيء المساء ..وهي في شرفتها تنتظر قدومه الذي ينعش جوانحها الملتاعة ..كان وجوده يملا عليها الدنيا وبوجوده تكون اميرة بمعنى الكلمة كان يدللها كثيرا أصبحت متيمة به وتخاف عليه أكثر من نفسها ..تعلقت به كثيرا تلك العاشقة التي تشبه جناح الفراشة لهول جمالها ورقة وإحساسها تلك الأميرة ذات الثلاثين ربيعا وربيعا... ( بحبك ما بعرف هن قالولي ..من يومها صار القمر اكبر...)...!!!

يمسك بيديها ويعبرا الشوارع الشارع تلو الاخر ليذهبا الى الأوبرا ...أو ليجلسا على إحدى سفوح قاسيون ليلا يقول: لنحكي ...لنبكي ..لتغفوا على كتفي ..أداعب شعرها الغجري الليلي الذي يشبه حزني وجنوني...!! حزني القادم من بغداد ( بغداد...والشعراء والصور...ذهب الزمان وضوعه العطر ...يا ألف ليلة يا مكملة الأعراس ...يغسل وجهك القمر...) كل اللقاءات الجميلة كانت مذبوحة لان بغداد يخنقها مساء الحزن ولون الدماء...!! كم كان يتمنى لو أنهما كانا في بغداد الآن ..بغداد ام العاشقين والثائرين والمجانين ...!!!

(رجعت الشتوية ...)
وهو لم يكن هناك ...تذكر كيف ان الخصام ذات يوم كان ثالثهما في ذلك الشتاء المثلج البارد ولم تكن معه وهو يتأمل قاسيون في تلك الحديقة التي تنتهي بها الصالحية ...وحده في مقهى الروضة...في هافانا ...طال انتظارها وهي لم تأتي طال انتظاره ولم يجيء هو الآخر كان برد الشتاء يتسرب إليهما بهدوء...ولم يكن يشعرا ان الموعد الذي ستزدل به الستارة بات وشيكا ونهاية الحب المجنون قد اقتربت من النهاية....وليالي الشتاء تشبه الموت البطيء وكلاهما بعيد عن الاخر ....تعاتبه ببكاء صامت يشبه ذوبان الثلج...(يا حبيبي أنا عصفورة الساحات ...لا صوتك يندهلي مع المسافات...ويطل يحاكيني من الريح الحزينة ...ليالي الشمال الحزينة) وهو بكل قسوة الرجل الشرقي لا يصيخ السمع لتلك العاشقة اللائبة المحترقة شوقا لذلك الحبيب الذي جن جنونه وغره الغرور وسكنته الغيرة العمياء..!!
خذلها ..خذلها ..خذلها ..بكل ماتملك الكلمة من قسوة ومرارة وألم...رغم عشقه لها رغم عشقها له...رغم تلك الملحمة الأسطورية من الحب العذري الذي لم يدنسه شيء ..خذلها العاشق المجنون ...وهي لم تزل الى هذه اللحظة عاشقة مكسورة القلب ترسم على محياها ضحكة كذوبة وتتذكر تفاصيل كل تلك الأحلام التي لم تعشها مطلقا سوى في خيالها البريء وفي قلبه وخياله المجنون...لكنه يعترف أمام العالم بأسره انه كان يعشقها الى حد الثمالة وانه خذلها...بسبب الغيرة المجنونة...!!!

(نبقى سوى وصوتك بالليل ...يقلي وانا عم اسمع...
"بحبك" حتى نجوم الليل نجمة ونجمة بتوقع....
وخلص الحب...!!!...وسكتت الكلمة وتسكر القلب وماوقع ولا نجمة...
متاري الكلام بيظل كلام ..وكلشي بيخلص حتى الاحلام ...والايام بتمحي ايام....!!!
بكرة اذا ذكروا العشاق ...ظلو تذكرونا) ...؟؟؟


عمار بن حاتم

هناك تعليق واحد: